إعادة صياغة دليل العلاقات العامة: ما يعلّمنا إياه موظفو ومستهلكو الجيل Z في آسيا
سيُحاسب جيل Zالشركات على ما تقوله، وعلى ما لا تقوله. بقلم سامانثا شتراوسSamantha Strauss
في آسيا، لا يقتصر ظهور الجيل Z على إعادة تشكيل السوق فحسب، بل إنه يعيد كتابة قواعد الاتصالات الداخلية ورواية قصص العلامة التجارية وسمعة الشركة. وباعتبارهم جيلاً ولد في طلاقةٍ رقمية وتعقيدٍ ثقافي وتحدياتٍ وجودية، تحوّل توقعاتهم كيفية عمل الاتصالات الداخلية.
وبصفتي قائدةً للاتصالات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لاحظت كيف يتحدى هذا الجيل الصاعد التقاليد ويلهم التغيير ويطالب بمستوياتٍ جديدة من الأصالة والمرونة من المؤسسات التي يتعاملون معها، سواءً كموظفين أو كمستهلكين.
ففي McCann Worldgroup، كنّا ندرس ونتفاعل مع هذا الجمهور من خلال دراستنا العالمية طويلة الأمد، "الحقيقة حول الشباب". وفي الأشهر الثمانية الماضية وحدها في آسيا، استضفنا فعّالياتٍ تفاعليّة في تايلاند والصين واليابان، وتعمّقنا في عقلية الجيل Z عبر سياقاتٍ ثقافية مختلفة تماماً. لقد اكتشفنا أنّ ما يوحّدهم ليس أعمارهم، بل هو جوعٌ مشترك للحقيقة عبر كشفهم للتناقضات بسرعة البرق، والشفافية التي يفضّلون من خلالها علامةً ناقصة لكن صادقة على علامةٍ كاملة زائفة، وعبر الربط الجذري بين القيم الشخصية والمهنية حيث يرفض 65% وظائف في شركات لا تتماشى مع مبادئهم حتى لو برواتب أعلى. هذه ليست موجةً عابرة – إنها إعادة ضبط جذرية لمنطق الاتصال في العصر الآسيوي الجديد.
من الرسائل إلى المعنى: كيف يعيد جيل Zتعريف الاتصال المؤسّسي
يُجبرنا جيل Zعلى إحداث تحوّلٍ في كيفية تواصلنا داخلياً (لإشراك هذه الفئة كموظفين) وخارجياً (لتلبية احتياجاتهم كمستهلكين)، من الرسائل المؤسسية إلى المعنى الحقيقي. فهم لا يريدون فقط معرفة ما تدّعيه شركتك، بل يريدون إثباتاً عملياً.
تكشف دراسة "الحقيقة حول الشباب" أنّ 82% من جيل Zالذين شملهم الاستطلاع عالمياً يعتقدون أنّ لجيلهم القدرة على التأثير على تصرفات وسلوكيات العلامة التجارية للأفضل. ويزداد هذا الأمر وضوحاً داخل الشركات، حيث يرغب الموظفون الأصغر سناً في أن تعكس بيئات عملهم قيمهم الشخصية. ونتيجةً لذلك، أصبحت فرق الاتصالات الداخلية بشكلٍ متزايد مسؤولة عن الثقافة، وليست مجرد قنواتٍ لنقل المعلومات.
بالإضافة إلى ذلك، يحتاج مديرو جيل Zإلى التركيز على بناء الثقة، وتعزيز الاستقلالية، وتوفير تواصلٍ واضح، وتقديم ملاحظاتٍ منتظمة، وخلق بيئة عمل داعمة تُقدّر احتياجاتهم وتفضيلاتهم الفريدة. ويشمل ذلك إعطاء الأولوية للتوازن بين العمل والحياة، وتقدير الإنجازات، وتوفير فرصٍ للتعلم والنمو.
على وجه الخصوص، كان طلبهم للأصالة موضوعاً رئيسياً في لوحة McCann Worldgroupالخاصة بنا في AdFestهذا العام، حيث جمعنا المواهب الإبداعية النسائية من الجيل التالي لمشاركة رغباتهم من صناعتنا (الإعلان / العلامات التجارية / الخدمات الإبداعية). كانت الإجابات واضحة: رفض التسلسلات الهرمية القديمة، والرغبة في قيادة تعاونية وذكية عاطفياً، والرغبة العميقة في العمل الهادف.
يمثّل هذا تحدياً وفرصةً للاتصالات الداخلية. لم يعد يكفي تقديم إعلاناتٍ هرمية. يجب على ممارسي الاتصالات الآن بناء الحوار وتشجيع الشفافية وأن يصبحوا ميسرين للثقة عبر كل طبقة من طبقات المنظمة. وبالنسبة للعلامات التجارية، تلك التي تتعامل مع الشفافية كاستراتيجية ستخسر، وتلك التي تجعلها ثقافة مؤسسية ستنجح.
وفي أسواق مثل اليابان، حيث يهيمن التسلسل الهرمي التقليدي المرتبط بالعمر نجحنا بإنشاء مجالس شبابية تقدم أفكاراً مباشرة للإدارة العليا، محوّلةً الصوت الشبابي من هامش إلى مركز القرار. يمكن أن يكون هذا النوع من الانفتاح تحدياً. وللمساعدة في مواجهة هذه الديناميكية وضمان إشراك موظفينا الأصغر سناً بشكلٍ هادف، قدمنا مجالس الشباب داخل شبكتنا. تخلق هذه المجالس قنوات رسمية لمواهب الجيل Zللمساهمة بالأفكار والملاحظات والرؤى الثقافية مباشرة إلى القيادة.إنه التزامٌ هيكلي بالاستماع ويساعد في سد الفجوات بين الأجيال بطريقة طبيعيةٍ لا متكلفة.
هذا التحوّل ليس خياراً. إنه شرط البقاء في عصر أصبحت فيه المعاني أغلى من الرسائل، والأفعال أبلغ من الكلمات.
التركيز على المساءلة
من أبرز سمات جيل Zتوقّعهم للسرعة. فهم معتادون على ردود الفعل الفورية، ويطبّقونها في حياتهم المهنية. وهذا يخلق توتراً مثيراً للاهتمام في بيئات الشركات، حيث غالباً ما تكون مخاطر السمعة والاعتبارات القانونية سبباً في إبطاء التواصل. ومع ذلك، في غياب التواصل السريع والواضح، تملأ الروايات الفراغ، أحياناً بمعلوماتٍ مضللة أو بانعدام الثقة. ففي آسيا يغادر 72% من الموظفين الشباب الاجتماعات محبطين لعدم حصولهم على إجاباتٍ واضحة (بيانات 2023).وفي كوريا الجنوبية، أدّت إحدى أزمات العلامات التجارية إلى خسارة 40% من حصتها السوقية خلال 48 ساعة بسبب تأخّر الرد 3 أيام.
ومايميّز جيل Zهو محاسبته الشركات على ما تقوله وتثبته ببياناتٍ قابلةٍ للقياس، بل وأكثر من ذلك، على ما لا تقوله. فالصمت لم يعد حياداً، بل رسالة تُفسَّر على أنها إمّا خوف أو عدم اكتراث. ومن العمل المناخي إلى رفاهية مكان العمل، يرغب شباب اليوم في رؤية العلامات التجارية تتخذ مواقف تتوافق مع قيمهم وتدعمها بإجراءات ملموسة. مثال على ذلك عندما أطلق مستهلكون في سنغافورة حملة "الصمت تواطؤ" ضد علامةٍ تجارية امتنعت عن التعليق على أزمة حقوق عمال.
لا تتوقع الأجيال الشابة الكمال من العلامات التجارية أو أصحاب العمل، لكنهم يطالبون بالصدق والتقدم. إنهم يريدون رؤية الضعف والتعلم والتطور، وليس الكمال المصقول أو التضليل. يمكن مواكبة هذه المعايير أولاً بالشجاعة في الاعتراف بالأخطاء، والتي بفضلها حققت شركة Uniqloفي اليابان زيادةً في المبيعات بعد نشرها تقريراً علنياً عن أخطاء سلسلة التوريد مع خطة إصلاح زمنية. ثانياً بالرد خلال فترة الاستجابة الحرجة، حيث خفّض جيل Zوقت الاستجابة المقبول من 24 ساعة إلى 4 ساعات كحدٍّ أقصى لاحتواء الأزمات قبل تفاقمها. ثالثاً من خلال تحويل السياسات إلى قصص مرئية، كما حوّل بنك إندونيسي تقارير الاستدامة إلى ريلز يومية على إنستغرام يشرح فيها قراراته المالية.
ومن منظور التواصل الخارجي، يستحق الأمر استثمار الوقت لإتقان هذا. حيث تقدر القوة الشرائية لجيل Zوحدها بنحو 360 مليار دولار، ومن المتوقع أن تنمو، كما يتمتعون بوعي وولاء أعلى للعلامة التجارية بمقدار 1.5 مرة مقارنة بالأجيال الأخرى.
المطلوب ليس الكمال، بل التقدُّم الواضح. الأجيال الجديدة تريد رؤية التعلُّم من الفشل، لا ادّعاء الكمال المزعوم.
أصوات داخلية تُحدث تأثيراً خارجياً: كيف يحوّل جيل Zالموظفين إلى سفراء العلامة التجارية
لا يُفرّق الجيل Zبين تجارب العلامة التجارية الداخلية والخارجية، وهو لا يفصل بين تجربته كموظف وتقييمه كمواطنٍ رقمي - ما يحدث داخل الشركة ينعكس فوراً على منصاته الاجتماعية. حيث شارك 68% منهم في آسيا آراءً صادقة عن بيئة عملهم على "تيك توك" أو "بلايند" (حتى بدون ذكر اسم الشركة). وفي الصين، تحوّلت شكوى موظفة حول سياسة الإجازات إلى هاشتاغ #أنا_لست_آلة (500 مليون مشاهدة)، أجبرت 3 شركات كبرى على تعديل سياساتها. فالموظفون لم يعودوا مجرد أيادٍ عاملة - بل هم صنّاع محتوى غير رسميين، يمكنهم تعزيز السمعة أو تدميرها بدقائق. هم ينشرون عن ثقافة العمل، وأخطاء القيادة، أو نفاق العلامة التجارية في لمح البصر، وغالباً ما يُضخّمون قصة علامتك التجارية (أو يفضحونها) دون أي رقيب. هذا يعني أن على أقسام الاتصالات الداخلية الآن اعتبار كل موظف راوياً محتملاً للقصص.
وبدلًا من اعتبار هذا تهديداً، ينبغي على العلامات التجارية التقدمية احتضانه، وتزويد المؤيدين الداخليين بروايات واضحة، وهدف أصيل، ومنصات لمشاركة آرائهم. إذا تم ذلك بشكل صحيح، يُمكن لرواية قصص الموظفين بناء الثقة بشكل أكثر فعالية من أي بيان صحفي أو حملة مُصقولة. ففي اليابان، تزوّد "سوني" موظفيها بحقائق رقمية قابلة للمشاركة مثل كيفية تقليص الانبعاثات 40%. ومن خلال التدريب على السرد القصصي يتم تحويل السياسات الجافة إلى قصص شخصية.
لكن هذا يتطلب منا، كمسؤولين عن التواصل، أن نثق بموظفينا. وهو ليس بالأمر السهل دائماً في المناطق التي تسود فيها الهرمية، أو الامتثال للسلطة، أو القيود الثقافية. المفتاح ليس السيطرة، بل الوضوح المتمثّل بمنح الموظفين الأدوات والرسائل والثقة اللازمة للتحدث بصدقٍ ومسؤولية عن تجاربهم في مكان العمل.
تُعدّ منصات مثل لينكدإن المكان الأمثل للموظفين ليكونوا سفراء للعلامة التجارية، حيث أظهرت أبحاث لينكدإن أنّ شبكة علاقات الموظفين، في المتوسط، تفوق قاعدة متابعي شركتهم بعشرة أضعاف. كما أنّ التفاعل مع المحتوى الذي يشاركه الموظفون يحقق تفاعلاً مضاعفاً.
الموظفون هم أقوى وسائل الإعلام، والمطلوب اليوم ليس مراقبة الأصوات بل تضخيمها بذكاء.فقط حوّل السياسات إلى قصص إنسانية، فمبادرات الاستدامة تساوي تجارب الموظفين الحقيقية. واستثمر في الرأسمال الاجتماعي للموظفين، فشبكاتهم أهم من صحفك. واقبل النقد العلني كفرصة، فحسب بيانات 2024 يثق 54% من جيل Zبالعلامات التي تتعامل مع الانتقادات بشفافية.
العلامات التي تفهم أنّ كل موظف هو إعلامي، ستكون الأكثر صموداً في عصر الشفافية القاسية.
دعوةٌ إلى تواصلٍ أكثر جرأةً وشجاعة
أعلن الجيل Zعن بداية عهدٍ جديد، عهد لا يُركّز على حماية العلامة التجارية بقدر ما يُركّز على تجسيدها، داخلياً وخارجياً. ويتطلّب هذا الأمر من فرق العلاقات العامة والاتصال الداخلية في آسيا شجاعةً في التعبير عن الرأي بصراحة، والتفاعل بشفافية، والتخلي عن السيطرة لصالح التواصل.
لم تعد هذه القواعد القديمة تُجدي نفعاً. ولكن إذا كنا على استعدادٍ لإعادة صياغة القواعد، مع مراعاة الجيل Z، بل ومشاركته في صنع القرار، فسنبني شركاتٍ أكثر ثقةً وأهميةً ومرونةً على المدى الطويل.
العصر الجديد لا يحتاج إلى حرّاس السمعة، بل إلى رواة قصص حقيقيين يجرؤون على مواجهة التعقيدات بدلاً من تجميلها.
هذه ليست مجرّد دعوةٍ للتكيف – بل دعوةٌ لثورةٍ اتصالية تعيد تعريف معنى العلامات التجارية في عصر الشفافية.
المؤلّفة سامانثا ستراوس
تشغل سامانثا ستراوس رئيسة قسم الاتصالات في شركة McCann Worldgroupلمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتتولى مسؤولية الاتصالات الداخلية والخارجية في 12 سوقاً في المنطقة. وتعمل من سنغافورة على تعزيز التعاون مع الجهات المعنية الرئيسية لتعزيز علامة McCann Worldgroupالتجارية وسمعتها. قبل انضمامها إلى McCann Worldgroupعام 2016، شغلت سامانثا منصباً إقليمياً مماثلاً في قسم الاتصالات لدى شبكة وكالات الإعلان الأخرى، BBDO.
خبرتها الواسعة في قطاع الاتصالات والإعلان جعلتها أحد الأصوات الرائدة في تحويل استراتيجيات العلامات التجارية لمواكبة العصر الرقمي.
زيارة الموقع الإلكتروني للمؤلف
ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد
تحذير واجب.
يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:
info@ipra-ar.org
اخر المقالات








اخر الاخبار







