كيف يعيق مصطلح "القائد" نمو الشركات: لماذا حان الوقت لغير القادة كي يتدخلوا؟
تخسر العديد من الشركات دون أن تدري بسبب تجاهلها للموهوبين ذوي الأداء المتواضع. بقلم صوفيا هالكيدوSophia Halkidou
إذا لم تكن قائداً - سواءً لأنك اخترت ألّا تكون كذلك، أو لأنك تشعر بأنك شخص عادي بلا طموحات معيّنة - فهذا المقال مكتوب خصيصاً لك.
أنت تستمتع بعملك وقرّرت ألّا تتحمّل مسؤولياتٍ إضافية. تعود إلى المنزل بعد الدوام دون الحاجة لتفقّد بريدك الإلكتروني أو تصفّح وسائل التواصل الاجتماعي المتعلّقة بالعمل. حرٌّ في أن تلتقي بأصدقائك لتناول المشروب أو القهوة معهم، أو تتسوّق وقتما تشاء، أو تخطّط لعطلة نهاية الأسبوع، أو حرٌّ حتى في التفكير بإجازة الصيف.
يبدو الأمر رائعاً، أليس كذلك؟ الحياة تبدو أسهل عندما لا تكون مضطراً إلى القيادة.
إذاً، لماذا يرغب الكثير منّا أن يكونوا قادة، سواءً بالتمنّي أو بالسّعي الفعلي؟
على الرّغم من جاذبية المسار الوظيفي الأقل تطلّباً، إلّا أن الكثيرين ينجذبون إلى القيادة. نحن نعجب بها، نسعى إليها، ونحلم بتسلق السلّم الوظيفي، والحصول على التّرقيات، وتحمّل المسؤولية.
ولكن ليس كل من يريد القيادة يفعل ذلك لنفس الأسباب. هنا نبدأ في رؤية درجاتٍ مختلفة من الطموح، وأنواعٍ مختلفة من القادة الطموحين.
فهناك من نطلق عليهم "القادة بالتمني"– وهو مصطلح يعرّفه قاموس ميريام وبستر بأنّه يصف الشخص الذي يرغب أو يتطلّع إلى أن يكون شخصاً آخر أو شيئاً آخر. بعبارةٍ أخرى، طموحهم يعتمد أكثر على الصّورة بدل الجّوهر.
ثم هناك "القادة بالسّعي" الذين يشتركون مع الفئة الأولى في الطّموح، لكنهم يتميّزون بالتزامهم بالنّمو الشخصي. فهم متحمّسون لتطوير مهارات القيادة وتولّي أدوار بهدف التعلّم.
لكنّ المشكلة تكمن في أنّ الطموح وحده لا يصنع قائداً حقيقياً.
وهنا يكمن الفرق الحقيقي بين "القائد بالتمني"، و"القائد بالسعي"، و"القائد الموهوب بالفطرة".
القادة الموهوبون بالفطرة: ما وراء الطموح والمكانة
لا يشعر القادة الحقيقيون بالضرورة بالحاجة إلى التميّز. لأنّ التميّز هو نتيجةٌ طبيعية لكونهم ما هم عليه. إنهم يبرزون لأنهم قادةٌ بالفطرة، بذكاءٍ متجذّرٍ في مجال "الذكاء الاجتماعي". بعبارةٍ أخرى، واستناداً إلى نظرية القدرات المتعدّدة التي طرحها عالم النفس بجامعة هارفارد هوارد غاردنر Harvard psychologist Howard Gardner، تكمن قوتهم في مجال "التفاعل مع الآخرين".
هذه الفكرة - أنّ القيادة مهارة اجتماعية فطرية- تمّ تأكيدها في الأبحاث التربوية، وهي موثّقة في تقرير مارلاند Marland، وهو التقرير الرئيسي حول تعليم الموهوبين الذي كلّفت به الحكومة الفيدرالية الأمريكية عام 1972 (مارلاند، 1972). قدّم التقرير أول تعريف فيدرالي للموهبة، مع التّركيز على "القدرة القيادية التي غالباً ما يتمّ إهمالها". وُصف الأفراد الموهوبون بأنهم أولئك الذين قد يؤثرون بعمق على أقرانهم أو يُظهرون تفرّداً في صنع القرار وحل المشكلات والتطوير الشخصي.
بعبارة أخرى، سيبرز القادة الحقيقيون من بين الحشود بسهولة وبلا جهد.سيبرزون لأنّ ذلك جزءٌ من طبيعتهم الأصيلة. سيبرزون كقادةٍ محبوبين أو مكروهين، وبالتالي، ستكون لديهم القدرة على ترك بصمةٍ إيجابية أو سلبية في حياة من حولهم.
الإمكانات الخفيّة للقادة بالفطرة: الكمال كالعائق الأكبر
ماذا لو كنت قائداً بالفطرة، ولكنّ الكمال هو ما يمنعك من الخروج من قوقعتك؟ هل ستدرك ذلك؟ على الأرجح لا. وإليك السبب.
ما لا يعرفه الكثيرون هو أن القادة بالفطرة قد لا يستغلون كامل إمكاناتهم الحقيقية بسبب حواجز داخلية، مثل السعي للمثالية. فالخوف من عدم كونهم "جيدين بما فيه الكفاية" أو الضغط ليكونوا دائماً بلا عيوب يمكن أن يمنعهم من التصرّف أو تحمّل المسؤولية أو تقلّد أدوار قيادية، رغم مواهبهم الطبيعية. غالباً ما يقضي هؤلاء القادة حياتهم في التشكيك في أنفسهم، متردّدين في التصرّف ما لم يكن كل شيء مثالياً، ونتيجةً لذلك، قد يفشلون في القيادة تماماً.
تُعرف هذه الظاهرة باسم التقصير لدى الموهوبين – وهي الفجوة بين الأداء المحتمل والأداء الفعلي، والتي غالباً ما تكون ناجمةً عن الشّك الذاتي والمثالية المفرطة والخوف من الفشل.
تخسر العديد من الشركات دون أن تدري بسبب تجاهل الموهوبين المقصّرين الذين يختبئون وراء قناع "الشخص العادي".غالباً ما يتمتّع هؤلاء الأفراد بمواهب وذكاء وقدرات قيادية استثنائية. لكنّ الضغوط والتوقّعات المرتبطة بلقب "القائد" قد تكون مربكةً لهم. ونتيجةً لذلك، قد يتجنّبون الأدوار التي تتطلّب حضوراً بارزاً أو معايير تقليدية للقيادة ، خوفاً من ألّا يكونوا على مستوى الصورة المثالية للقائد.
وبهذا، تُفوِّت الشركات على نفسها مساهمات الأشخاص ذوي الكفاءة العالية القادرين على قيادة الابتكار، وتعزيز التعاون، وإلهام التغيير - كل ذلك دون الحاجة إلى الانصياع للنموذج التقليدي لـ"القيادة".
حدود مصطلح "القائد" في عالم الأعمال الحديث
يحمل مصطلح "القائد" عبئاً ثقيلاً من التوقّعات العالية. لكن في بيئات العمل الحديثة التي أصبحت أكثر تعاوناً ومرونة، لم يعد هذا المفهوم التقليدي مناسباً تماماً. وهذه مشكلة حقيقية، لأنّ المصطلحات والتوقّعات القديمة يمكن أن تُقيّد نظرة الشركات إلى القيادة والعمل الجماعي، ممّا يُعيق النّمو والابتكار.
دعونا نتوقّف لحظةً لإعادة النظر في مصطلح "القائد". تقليدياً، القائد هو ذلك الشخص الذي يكون في المقدّمة - سواءً في موكب أو في هيكلٍ اجتماعي - يجذب الانتباه. ولكن في جوهر الأمر، يحتاج القائد إلى أتباع ليكون له تأثيرٌ يُذكر.
لكن هل يُمكن اعتبار الموظّفين أتباعاً حقاً؟
في الواقع، عندما يختار الموظّفون إرسال سيرهم الذاتية للتقدّم لوظيفةٍ في شركة معينة، فإنّ الأسباب الرئيسية هي سمعة الشركة الجيدة، ومكانتها في السوق، واستقرارها المالي، وإمكانية تطوير الموظفين داخلها، والارتباط الشخصي الذي يشعر به بعض الموظفين بالعلامة التجارية أو نوع العمل المحدّد، وتصميم مبنى الشركة، وقرب الشركة من مكان سكن الموظف، وقلة خيارات العمل الأخرى، وغيرها من الأسباب.
لنفترض أنّ مثل هذا الموظف تمّ تعيينه في الشركة. وإذا افترضنا أيضاً أنّ قادة الشركة يميلون إلى "القادة" أكثر من "الرؤساء التنفيذيين"، فإنّ انضمامهم إلى مجموعة الشركة يجعلهم تلقائياً تابعين. في هذه الحالة، نحن نتحدث عن تابع بالضرورة، وليس بالاختبار، لأنهم لم يقتدوا بعد برؤية قائد الشركة.
ولكن ماذا يحدث إذا لم يُقدّروا قائد الشركة أبداً؟ هل سيبقوا معتَبرين كتابعين، وهل سيظلّ رئيس الشركة يُنظر إليه كقائد؟
هل يشكّل مصطلح القائد تشتيتاً للانتباه عن العمل الحقيقي؟
إلى جانب هذه المخاوف، يجدر بنا أيضاً التفكير فيما إذا كان مصطلح "قائد" يُلبّي الاحتياجات الحقيقية للشركات الحديثة. ربما حان الوقت للتفكير فيما إذا كانت مسمّيات أكثر حياديةً وتحديداً للدّور، مثل "الرئيس التنفيذي"، أكثر ملاءمةً للتحوّلات السّريعة لبيئة العمل اليوم.
وإليك السبب:
يحمل مصطلح "القائد" دلالاتٍ على كونه متعاطفاً، ملهماً، كاريزماتياً، وغالباً ما يكون محبوباً. ورغم أنّ هذه الصفات قد تكون مفيدة، إلّا أنها قد تُصبح أيضاً مصادر تشتيت في عالم اليوم سريع التغيّر والتقلّب.
تخيّل قبطان سفينةٍ كبيرة تُبحر في بحرٍ هائج.إذا بالغ في التركيز على كونه "قائداً" متعاطفاً ومحبوباً، فقد يحوّل تركيزه إلى كيفية إصدار الأوامر، أو إلى تعابير وجهه، أو مشاعر الطاقم تجاهه - بدلاً من التركيز على ما يهم حقاً من فهمٍ للظروف كقراءة مؤشرات الطّقس، وتحليل المخاطر، وإصدار تعليمات دقيقة لإبقاء السفينة طافية على الماء.
ليست مهمة القبطان الأساسية أن يكون محبوباً، بل مهمته هي الإبحار ومعرفة ما يلزم لتوجيه السفينة بأمان عبر مياه متقلّبة لا يمكن التنبؤ بها.
ولتحقيق ذلك، عليه أن يبقى غير مشتت.
هل حان وقت التغيير؟ إعادة النّظر في القيادة واحتضان المهمّشين
إذا فكّر المرء في إحالة مصطلح "القائد" إلى التقاعد من عالم الأعمال، فقد يكون الوقت الأمثل لبدء هذا الحوار هو الآن. فنظراً لتطور آليّات الأعمال الحديثة، حيث التركيز والمرونة والنتائج هي ما يهمّ حقاً، ربّما حان الوقت لإعادة النظر في المصطلحات التي نستخدمها والتوقعات التي نربطها بها.
أمّا بالنسبة لأولئك الذين غالباً ما يُساء فهمهم وتمّ الحكم عليهم خطأً بأنهم "أشخاص عاديون"، أولئك الذين لا يلهثون وراء معايير النجاح التقليدية، والذين لا يهوون تسلّق السلّم الوظيفي أو التّباهي تحت الأضواء - فربّما حان الوقت لإدراك أنّ العالم بحاجةٍ إلى المزيد من أمثالهم.
نعم، أناسٌ مثلكم، يُقيّمون أنفسهم باستمرار، وينتقدون أنفسهم، ويعتقدون أنّهم غير كافيين كما هم، ويؤمنون بضرورة أن يصبحوا أفضل، والذين يشكّكون في أنفسهم ويحاسبونها أولاً قبل الآخرين.
في عالمٍ تُختزل فيه القيادة غالباً بالجرأة وحب الظهور، فإن أفراداً مثلكم هم من يُضفون التوازن والعمق والوضوح على العمل.
العالم يحتاج إلى المزيد منكم.
قوّتكم الهادئة وطبيعتكم التأمّلية قادرة على إعادة تشكيل مستقبل القيادة.
انهضوا.
المؤلفةصوفيا هالكيدو
صوفيا هالكيدو، الرئيس التنفيذي لشركة Wellenwide.
شركة Wellenwide هي شركة استشارات متخصّصة في القيادة الشاملة وتطوير المواهب داخل المنظّمات. تركّز على إعادة تعريف القيادة، تبنّي نماذج قيادية بديلة عن النماذج التقليدية، وتمكين المواهب المهمّشة، والاستشارات التنظيمية.
تخدم الشركة بشكل رئيسي قطاعات: التكنولوجيا، المؤسسات غير الربحية، والشركات الناشئة في أوروبا وأمريكا الشمالية.
زيارة الموقع الإلكتروني للمؤلف
ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد
تحذير واجب.
يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:
info@ipra-ar.org
اخر المقالات








اخر الاخبار







