العلاقات العامّة في السّعوديّة: الازدهار وسط التحدّيات والتّغيرات


هنا في الشّرق الأوسط، غالباً ما يشار إلى المملكة العربيّة السّعوديّة من قبل المغتربين باسم "مملكة السّحر". وهم ليسوا مخطئين في ذلك.

هل تبحث عن مكانٍ يمكن أن يحدث فيه ما هو غير متوقّعٍ في أيّ لحظة، ولا تنطبق عليه القواعد العاديّة؟ إذاً، أنت جئت إلى المكان المناسب.

إنشاء مدينةٍ قائمةٍ بذاتها على بعد 170 كم في الصّحراء؟ جاري العمل على ذلك. القيام ببناء مضمار سباقٍ يتميّز بركنٍ بارتفاع 20 طابقاً، مع مكانٍ للحفلات الموسيقيّة في الجزء السّفلي منه؟ قيد التّنفيذ. إنشاء مركزٍ جديدٍ لوسط مدينة الرّياض، مع ناطحة سحابٍ ضخمةٍ على شكل مكعّبٍ في وسطها؟ قيد التّنفيذ. إنشاء وجهةٍ سياحيّةٍ ذات طابعٍ سياحيٍّ للمغامرة على بعد 40 كم من ساحل الخليج العربي؟ لا مشكلة في ذلك. استضافة كأس العالم لكرة القدم 2034؟ اعتبر الأمر منتهياً.

هل هناك أيّ حدودٍ للمشاريع المذهلة الّتي يمكن أن تستحضرها المملكة؟ لقد عشت وعملت في الرّياض خلال الأشهر الثّمانية عشر الماضية. ويمكنني أن أقول لك أنّ وسائل الإعلام لا تغطّي حتّى سطح ما يحدث على أرض الواقع.

فالتحوّلات الّتي تحدث على أرض الواقع هائلةٌ وجوهريّة. حيث يشير النّقاد إلى أنّ بعض المشاريع العملاقة، مثل نيومNeom، ليست سوى مشاريع علاقاتٍ عامّةٍ ضخمة. وفي الواقع، هذه المشاريع ليست سوى قمّة جبلٍ جليديٍّ هائلٍ من التحوّل.

إنّ التّغيير الحقيقيّ يحدث على كلّ مستوىً من مستويات المجتمع السّعودي. تجوّل في شوارع الرّياض، وجدّة، والدّمام، والعديد من المدن الأخرى. تعجب من العدد الهائل من رافعات البناء الّتي تنتشر في كلّ مكان. انظر إلى عدد الوجهات السّياحيّة النّاشئة في جميع أنحاء المملكة. عسير والأحساء وحائل وغيرها الكثير. انظر إلى عدد الشّركات الإنتاجيّة والصّناعية الّتي يتمّ إنشاؤها. تجد هذا البلد في حالة حركةٍ دائمة.

سرعة التّغيير

الأمر الأكثر إثارةً للدّهشة هو سرعة التّغيير الّذي يحدث على جميع مستويات المجتمع السّعودي. ففي عام 2016، سافرت زوجتي إلى الرّياض في رحلة عملٍ لصالح شركة خدماتٍ مهنيّةٍ عالميّة. وما وجدته هو عالمٌ يعمل فيه الرّجال والنّساء في طوابق منفصلةٍ في المبنى. حيث لم يكن يُسمح للنّساء بالخروج دون مرافقٍ رجل، ناهيك عن قيادة السيّارة. كما كانت دور السّينما ووسائل التّرفيه العامّة غير موجودة. حيث كانت الشّرطة الدّينية، المطاوعة، تضايق النّاس في الشّوارع لعدم ظهورهم بمظهرٍ محتشمٍ بما فيه الكفاية. أو يتمّ إلقاء القبض على العمّال الذّكور في المتاجر للاشتباه في كونهم مخنّثين أكثر من اللّازم.

وبعد ثماني سنوات، امتلأ مكتبي بشابّاتٍ سعوديات متألّقات وطموحات ومندفعات. إنّهنّ لا يعملن فقط جنباً إلى جنب مع مواطنيهن الذّكور، بل يغتنمن الفرص المتاحة لهن.

أمّا الشّباب - الّذين يشكّلون 70% من سكّان السّعوديّة - فهم يملؤون الشّوارع والمراكز التّجاريّة ليلاً. يتناولون الطّعام في المطاعم السّعوديّة المحلّية ذات المستوى العالمي. وهم يشاهدون أفضل الرّياضيّين والفنّانين في العالم وهم يقدّمون عروضهم في مناطقهم.

ويتدفّق السيّاح من جميع أنحاء العالم إلى المملكة. ينجذبون إليها نظراً لكونها وجهةً مختلفة. كما تزدهر وجهاتٌ مثل العلا والبحر الأحمر والدرعيّة وجدّة.

وفي ديسمبر 2024 بدأ تشغيل مترو الرّياض. وهو عبارةٌ عن شبكةٍ يبلغ طولها 176 كيلومتراً، استغرق العمل عليها 10 سنوات. وهو لا يهدف فقط إلى الحدّ من الازدحام المروريّ المزمن الّذي تعاني منه العاصمة. بل يَعد بإحداث ثورةٍ في طريقة تنقّل السّعوديين.

ستولد صناعاتٌ جديدةٌ بالكامل. التّكنولوجيا الماليّة، والذّكاء الاصطناعي، والتّصنيع، والرّعاية الصحيّة، والسّياحة، وغيرها. وكلّها تحظى بدعم الحكومة على جميع المستويات.

رؤية 2030

ما يقود هذا التطوّر السّريع هو برنامجٌ يسمّى رؤية 2030. وهو برنامجٌ شديد التّركيز وطموحٌ بشكلٍ مذهل. يهدف البرنامج إلى ترسيخ مكانة المملكة العربيّة السّعوديّة كرائدٍ عالميٍّ من خلال القيام بعدّة أمور. وهي تنويع اقتصادها، وجذب الاستثمارات، وتحسين حياة شعبها. وللقيام بذلك، لديها بعض الأهداف الواضحة. كخلق فرص العمل وخفض البطالة، زيادة عدد النّساء في أماكن العمل، زيادة الإيرادات غير النّفطيّة، وتعزيز الاستثمار الأجنبيّ المباشر، وما إلى ذلك.

ومثلها مثل معظم اقتصادات الشّرق الأوسط، تدرك الحكومة تماماً الحاجة إلى الابتعاد عن الوقود الأحفوري. فهي تعلم أنّ عليها خلق اقتصادٍ بديل. ولهذا السّبب تستثمر في قطاعاتٍ رئيسيّة، مثل السّياحة والتّصنيع والأعمال التّجاريّة الصّغيرة والتّكنولوجيا الماليّة والصّحة. السّياحة هي محور التّركيز الرّئيسي، مع هدفٍ رسميٍّ يتمثّل في جذب حوالي 150 مليون سائح بحلول عام 2030. هل هذا ممكن التّحقيق؟ بالنّظر إلى أنّه تجاوز حاجز الـ 100 مليون سائحٍ هذا العام، يبدو الأمر محتملاً.

لا تخطئ، فهناك تحدّياتٌ هائلةٌ تعترض طريق طموحات المملكة العربيّة السّعوديّة السّامية. أوّلها مالي. فالطّلب العالميّ على النّفط يعني استمرار تدفّق الأموال إلى الخزائن. ولكن هناك إدراكٌ متزايدٌ بأنّ الإنفاق يجب أن يحقّق قيمةً متناسبة.

التحدّيات المتعلّقة بالسّمعة

التحدّي الثّاني يتعلّق بالسّمعة. إذ تشكّك وسائل الإعلام الغربيّة والمعلّقون الغربيّون في التزام المملكة بالبيئة وحقوق الإنسان. ويطلقون عباراتٍ مثل "الغسيل الأخضر" و"الغسيل الرّياضي". لذلك يجب على الحكومة أن تكون أكثر حسماً في إظهار مستوى التّغيير في المجتمع السّعودي للعالم، هذا إذا أرادت جذب السيّاح والاستثمارات الأجنبيّة الّتي تبحث عنها.

ما هو دور العلاقات العامّة في كلّ هذا؟ في الوقت الحالي، تشهد صناعة العلاقات العامّة في المملكة ازدهاراً كبيراً. فمعظم وكالات العلاقات العامّة المعروفة في العالم تعمل في البلاد، وتتنافس على الأعمال التّجاريّة مع مجموعةٍ من الوكالات المحلّية والشّركات الاستراتيجيّة. فقد أصبحت المنافسة على العقود الحكوميّة المربحة أكثر حدّةً من قبل. ولحسن الحظ، هناك الكثير من الأعمال الّتي يمكن الحصول عليها.

كما أنّ مستوى العلاقات العامّة آخذٌ في التطوّر. فالعديد من العملاء لا يزالون ينظرون إلى العلاقات العامّة على أنّها مجرّد نشراتٍ صحفيّة وعلاقاتٍ إعلاميّة من الطّراز القديم. وهذا يتغيّر بسرعة. فالعديد من العملاء ذوي التّفكير المستقبليّ يقودون تحرّكاً نحو حملاتٍ ذات صلةٍ بالموضوع، ولن تبدو في غير مكانها بمهرجان كان.

خلاصة القول؟ لقد بدأنا للتو في كشف النقاب عن القصص الّتي تنتظر أن تُروى عن المملكة العربيّة السّعوديّة. والحقيقة هي أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة هي أمّةٌ من الشّباب الأذكياء والطّموحين والوطنيّين الّذين يحققون إنجازات على نطاق واسع، يجب أن نراها لنصدّقها. وبالنّسبة لمحترفي الاتّصالات، لا يوجد مكانٌ أكثر تميّزاً من هذا المكان.

المؤلّف بيتر فان دير ميرويPeter van der Merwe

بيتر فان دير ميروي هو المدير القطري لشركة ويبر شاندويكWeber Shandwickفي الرّياض، المملكة العربية السّعوديّة.

https://www.ipra.org/news/itle/itl-607-pr-in-saudi-thriving-amid-challenges-and-change/

ترجمة وتدقيق صَبَا إبراهيم سعيد

تحذير واجب.

لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام:

info@ipra-ar.org


Follow IPRA:

اتصل بنا

Mobile1 : +961-70043459
Mobile2 : +963-116122067
Fax :+963-0116117020
Email :ingo@ipra-ar.org